واشوقاه رسول الله

يتعاقب الليل والنهار، وتمر السنوات، وتنطوي القرون، ويبقي رسول الله صلي الله عليه وسلم شمساً ساطعة في سماء الزمان كله والمكان كله، وأريج سيرته العطرة يفوح عبر القرون، ويعبر المسافات، فينعش النفوس ويحيي القلوب، ويبعث الأمل ويجدد العزم.

فإنك لا تجد في سير الأولين والآخرين كمالاً يبهر العقول ويأخذ بمجامع القلوب كما تجدها في سيرة محمد صلي الله عليه وسلم، عقلاً وقلباً وخلقاً وسلوكاً، فهو المثال الكامل للإنسانية الفاضلة، في كل شئونه الشخصية والعامة، وفي كل أحواله من سلم أو حرب، وفي حل أو ترحال، ومع الناس جميعاً: عربهم وعجمهم، وكبيرهم وصغيرهم، ومؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم، وغنيهم وفقيرهم، ورجالهم ونسائهم.

نعم لقد كان المثال الكامل للإنسانية الفاضلة في معاملة أهله وأصحابه وأنصاره ومعاملة أعدائه ومحاربيه علي السواء، فلم يؤثر عنه مثقال حبة من خردل من ظلم أو قهر أو استبداد أو تسلط أو تمييز أو استغلال أو قسوة أو خيانة، بل كان هو الوفاء ذاته، والرحمة في أسمي صورها، والعدل في أفضل تطبيقاته وتجلياته. وصدق من قال فيه.

على تفنن واصفيهِ بوصفهِ يفني الزمانُ وفيه ما لم يوصفِ

لقد زكي الله خلق رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم ومدحه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(القلم: 4).

ومدح طريقته في الدعوة، وأسلوبه في التربية، وسلوكه في معاملة أصحابه والمخالطين له فقال سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(آل عمران: 159)

ومدح عاطفته الحية تجاه الناس، ورغبته في هدايتهم إلي طريق الحق، وحرصه أشد الحرص علي استنقاذهم من النار، ولكنه طلب منه ألا يقتل نفسه حزناً علي المعرضين؛ فإن الهداية من الله وحده، والرسول مهمته البلاغ المبين، وقد أداه خير الأداء ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6) ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾(فاطر: من الآية 8)

وقد امتن الله سبحانه علي المؤمنين أن بعث فيهم رسولاً هذه صفاته: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128). وصدق أمير الشعراء في وصفه صلي الله عليه وسلم:

وإذا رحـمـت فأنــــت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء

وإذا أخذت العهــــد أو أعطيتــه فجميع عهـدك ذمـة ووفاء

يا من له الأخلاق ما يهوي العلا منها وما يتعشق الكبـــراء

زانتك في الخلــق العظــــيم شمائل يغري بهــن ويولـع الكرماء

عذراً رسول الله….

فقد عركتنا الحياة، وشغلتنا الدنيا، وضرستنا الخطوب، حتي أصبح هم الكثيرين من أمتنا بأنفسهم أقوي في الحس والشعور من همهم بالدين والعقيدة، والشغل بلقمة العيش أكثر حضوراً من الشغل بنصرة الدين، والذود عن المصلحة الشخصية أقوي من الذود عن الشريعة الربانية والسنة المحمدية والمقدسات الإسلامية، نعم ضعفت أمتنا، وتكالب عليها أعداؤها من كل حدب وصوب، كما يتكالب الوحوش الضواري علي الفريسة التي وقعت بين أيديهم، وأصبحنا أضيع من الأيتام علي موائد اللئام، وتسلط علي أمتنا حكام ظالمون يسوقون الناس بسياط الخوف بعيداً عن هدي القرآن، ويسوسونهم بالقمع القهر والتجويع والإرهاب، ويحاربون المساجد ويقيدون قيامها بدورها في إيقاظ الأمة وإنارة العقول وتذكية القلوب وتهذيب الإخلاق وتحسين السلوك، ويغيبون العلماء العاملين الفاقهين بالسجن والمطاردة، ويطلقون العنان لموجات التحلل والفجور والأفكار المنحرفة، ويفتنون العامة في دينهم بتعريضهم لهذه الموجات من غير حصانة، نعم هذا هو حال أمتنا يا سيدي يا رسول الله.

ولكننا يا سيدي رغم هذا كله…..

لم نفقد الأمل والثقة في الله وسلامة الطريق وصحة المنهج، وقد عاهدنا الله تعالي أن نظل إلي آخر أنفاسنا أوفياء للطريق الذي سرنا فيه خلفك، وهتفنا فيه بزعامتك، سنبذل جهدنا، ونستفرغ وسعنا، ونتوكل علي ربنا، ولن نعطي الدنية في ديننا، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام مكر الماكرين وظلم الظالمين، ولن نستجيب لتخذيل المخذلين وتثبيط المثبطين، ولن نيأس أبدأ من إصلاح أمتنا، وإيقاظ شعوبنا، وتوعية مجتمعاتنا.

لن نتوقف عن الدعوة أبداً مهما كانت الظروف، ولن نستثقل التكاليف، ولن نتعجل الثمرة، ولن نسيء الظن بأمتنا، وسنصبر عليها ونتلطف بها، ونواصل الليل بالنهار في إيقاظها وتوعيتها وتعريفها بحقوق الله وحقوق العباد وعظمة الإسلام، وتعريفها بحقوقها وواجباتها، وتبصيرها بمؤامرات الأعداء وكيفية التغلب عليها.

سننير لأمتنا الدرب بكتاب الله وسنتك يا سيدي يا رسول الله، سنرشدها إلي سبيل الخلاص من هذه الوهدة، والخروج من هذه المحنة، ونذكرها بالأمجاد السالفة وكيف تحققت وكيف يمكن استعادتها، ونعرفها بأسباب الضعف وكيف يمكن معالجتها، ونأخذ بأيدي أمتنا في صبر وأناة وبصر كالطبيب الحاذق الذي يمزج معرفته الدقيقة بأصل الداء مع صبره الجميل في علاجه.

وكلنا أمل أن يقبل الله منا أعمالنا وأن يجبر تقصيرنا، وأن نجتمع بك يا سيدي يا رسول الله علي الحوض إن شاء الله، من غير أن نخجلك أو نخجل من لقائك أو نزاد عن حوضك.

واجبات عملية:

قراءة كتاب مبسط في السيرة النبوية لزوجتك وأولادك.

مراجعة فصل من فصول السيرة النبوية ومدارستها مع إخوانك وأصدقائك.

نشر بعض فصول السيرة المطهرة علي مواقع التواصل الاجتماعي.

……………………………… أخري (أذكرها والتزم بها وادع إليها غيرك).