ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
فإن المؤمن الصادق يعلم يقيناً أن الأمر كله بيد الله وأن ما خلق الله من أسباب إنما تعمل بتقدير الله وإرادته وإذنه ومشيئته، ولاتعمل بنفسها ولهذا يعلق رجاءه وخوفه بالله دون ما سواه، موقناُ أن ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن، وهذا اليقين هو أحد علامات صدق التوحيد الذي به تنال المطالب وتُحصَل الرتب في الدنيا والآخرة، وهو حقيقة التوكل على الله.
وجاء في كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل هذا الأثر الإلهي :
” مَا مِنْ مَخْلُوقٍ اعْتَصَمَ بِمَخْلُوقِ دُونِي إِلَّا قَطَعَتْ أَسْبَابُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ دُونَهُ ، فَإِنَّ سَأَلَنِي لَمْ أُعْطِهِ ، وَإِنْ دَعَانِي لَمْ أَجُبْهُ وَإِنَّ اسْتَغْفَرَنِي لَمْ اغْفِرْ لَهُ ، وَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ اعْتَصَمَ بِي مِنْ دُونِ خِلْقِيٍّ إِلَّا ضَمِنَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ رِزْقِهِ ، فَإِنَّ سَأَلَنِي أُعْطِيتُهُ ، وَإِنْ دَعْنِي أَجَبْتُهُ ، وَإِنْ اسْتَغْفَرَنِي غَفِرَتُ لَهُ ”
حين يصح قصد العبد ويصدق توكله ويرى في نفسه حقيقة الإفتقار إلى الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويرى الخلق مجرد عبيد يصرفهم مولاهم فيما يشاء ويستعملهم كيف شاء، فلا يقدمون نفعاَ لأحد إلا بإذن الله، ولا يصلون إلى أحد بضرر إلا ما كتبه الله؛ عندئذ يرى بعين الله ألا ملجأ من بلائه إلا بالإتصال بمولاه بسؤال من يئس من الأسباب، فتنفتح له عندئذ أبواب السماء، ولايكاد الفرج يتخلف عن العبد متى كان بهذه الحال.
هذا أيوب عليه السلام يقول (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فأتاه الجواب الفوري (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ)
وكذلك يونس عليه السلام لما يئس من كل الأسباب (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
فجاء الجواب الفوري (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)
وتأمل بعين البصيرة قوله سبحانه (وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) وهكذا سائر الأنبياء والصديقيين والصالحين مما لايغيب عن عقل البصير.
بل إن سبحانه ليعلمنا أنه قد ينجى أعداءه من كرب الدنيا وشدائدها إذا نزلت بهم الشدة فصدقت نواياهم واضطرارهم إليه (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
وتأمل بعين البصيرة قوله سبحانه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لتعرف الحال التى كانوا عليها حين رفعوا أكفهم وأعلنوا ضراعتهم، فإذا كان ذلك فعله معهم – وهم على الكفر – فكيف تتصور إكرامه لأهل التوحيد إذا صدقوا في توكلهم وسؤالهم ؟!
ولئن كانت الشدة والمحنة وضراوة النازلة تدفع المشرك لإخلاص الطلب من الله، أفلا تكون أدعى للمؤمن إلى ما هو أعظم من صدق التفويض لله وحسن الرجاء في رحمته ؟
أيها الأخ المجاهد الصابر:
إياك والغفلة عن صدق التوكل على من لك من كل ما سواه بد، ولابد لك منه، واجعل لنفسك ورداَ من دعاء ذي النون ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن من دعى الله به استجاب له، وعليك بدعاء تفريج الكرب (لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ)
وكن على تمام اليقين والثقة بأن الكرب العظام لاينجى منها إلا صدق التوكل على رب العرش العظيم، وأن وعده الحق الذي لاريب فيه.
أما مواعيد الخلق فأكثرها زيف وإخلاف، وبخاصة مواعيد الظالمين الذين يتنفسون الكذب، فلا تثق بوعدهم، إياك أن يفرجوا عنك إذا اتبعت أهواءهم، ووقعت لهم على ما يطلبون من باطل .
ففي عام 1997م حين وقعت حادثة الأعتداء على السياح في الأقصر ذهب ضباط السجن إلى إخوانك المسجونين يطلبون منهم التوقيع على ورقة التأييد لوزير الداخلية حينذاك فرفضوا بالإجماع ثم كانت دهشتهم العجيبة أن سمعوا خبر إقالة الوزير بعد أقل من ساعة على موقفهم المشرف !!!
ترى كيف كان يمكن أن يكون حالهم لو أنهم استجابوا للباطل؟
والله معكم ولن يتركم أعمالكم.