مواقف من سيرة الداعية المربي : عمر التلمساني
(1) تعريف :-
• هو الداعية عمر عبدالفتاح عبدالقادر مصطفى التلمساني.
• ولد بحي الغورية بالقاهرة عام 1904م وترجع أصوله إلى مدينة تلمسان بالجزائر.
• كان جده سلفي النزعة .. لذا كانت نشأته بعيدة عن البدع.
• تخرج من كلية الحقوق ، وعمل بالمحاماة في مكتب له بشبين القناطر.
• تزوج وهو طالب بالثانوية وتوفيت زوجه عام 1979م بعد عشرة نصف قرن.
• كان له من الأبناء أربعة (عبد ، عبدالفتاح ، وبنتين).
• التحق بجماعة الإخوان المسلمين عام 1933م ، وكان أول محامي ينضم إليها وكان من
المقربين للإمام الشهيد.
• تولى منصب المرشد العام للإخوان المسلمين عام 1973م بعد وفاة المرشد الثاني.
• لم تشغله أمور المحاماة عن تثقيف نفسه دينياً وكذلك تتبع المؤامرات التي تحاك للإسلاميين.
• كان دمث الأخلاق .. لاتفارق الابتسامة شفتيه وكان حنوناً على إخوانه.
(2) انضمامه إلى الدعوة:-
يحكي هو عن نفسه فيقول : أنه في أثناء أحد العطلات وكان يستمتع باللهو مع (الكتاكيت) دخل عليه شخصان ، وتعرفا إليه .. وأخبراه كيف بشخص مثله له مستوى عال من التعليم والمكانة الاجتماعية يلهو وحال الوطن والأمة الإسلامية يدعو للحزن وضرورة العمل لتحرير الوطن والنهوض بالأمة ، وقال : كان ذاك أول مرة يطرق أذنه مثل هذا الكلام ، ثم طلبا إليه فيما بعد ، بعد أن عرفاه بنفسيهما ومنهجهما في الحياة .. أن يلقى مرشد الجماعة وتحدد له موعد لذلك ، وبعد اللقاء أصبح الأستاذ / التلمساني عضواً في جماعة الإخوان المسلمون.
(3) عهد مع النفس:-
ترك الأستاذ / التلمساني آثاراً طيبة لدى كل من عرفه أو اتصل به لما كان يتمتع به من صفاء النفس ونقاء السريرة وطيب الكلام وحسن الحوار والمجادلة وفي هذا يقول عن نفسه : ” ما عرفت القسوة يوماً سبيلاً إلى خلقي ولا الحرص في الانتصار على أحد ولذلك كنت لا أرى لي خصماً إلا إذا كان ذلك في الدفاع عن حق أو دعوة إلى العمل بكتاب الله تعالى ، على أن الخصومة تكون دائماً من جانبهم لا من جانبي أنا .. لقد أخذت عهداً على نفسي بألا أسيء إلى إنسان بكلمة نابية حتى لو كنت معارضاً له ، وحتى لو آذاني ولذلك لم يحصل بيني وبين إنسان صدام لمسألة شخصية”.
(4) المحن التي مر بها :
اعتقل عام 1948م ، ثم عام 1954م ، وظل في السجن زهاء عشرون عاماً، ثم اعتقل مرة أخرى في 1981م ، وما زادته المحن والابتلاءات إلا صلابة وثباتا.
(5) محطات في حياة الأستاذ:
خطاب إلى رئيس الجمهورية:-
وجه خطاباً مفتوحاً إلى رئيس الجمهورية عام 1986م قال فيه ” سيادة الرئيس .. إننا مسلمون مصريون ، يهمنا أول ما يهمنا أن يكون شعبنا آمناً مستقراً هادئاً هانئاً في ظل تشريع الله –سبحانه وتعالى- وإن مصلحة هذه الأمة أن يطبق فيها شرع الله ولا أكون مغالياً إذا قلت أن تطبيق شرع الله في مصر ، سيكون فاتحة خير لجميع المنطقة من أولها لآخرها وهناك يسعد الحاكم والمحكوم…”
حكمته للشباب :
يقول :” إن الصعاب التي تعترض الدعاة في هذا العصر عاتية غاشمة فالقوة المادية في يد أعداء الإسلام وقد اتحدوا على اختلافهم على حرب المسلمين وأكبر تركيزهم على الإخوان المسلمين . وعلى أساس الموازين البشرية لم يكن لجنود طالوت المؤمنين طاقة بجالوت وجنوده ولكن لما أيقنت عصبة الإيمان أن النصر من عند الله وليس مرهوناً بالعدد والعدة هزموا كتائب جالوت بإذن الله”.
الجهر بكلمة الحق :-
عرف الأستاذ / التلمساني بالصلابة والقوة داخل السجون وخارجها ولم يلن للإرهاب أو التهديد .. كما عرف بالزهد والتعفف والخشية من الله وحده دون سواه ، والحرص على مرضاته حيث يقول : “ما خفت أحداً في حياتي إلا الله ، ولم يمنعني شيء من الجهر بكلمة الحق التي أؤمن بها مهما ثقل وقعها على الآخرين ومهما لقيت في سبيلها من العنت .. أقولها هادئة رصينة مهذبة لا تؤذي الأسماع ولا تخدش المشاعر وأتجنب كل عبارة أحس أنها لا ترض محدثي أو مجادلي “.
موقفه من الرئيس السادات :-
وذلك في مدينة الإسماعيلية وفي حديث مفتوح بث على الهواء مباشرة من الإذاعة والتليفزيون حيث اتهم السادات جماعة الإخوان المسلمين بالفتنة الطائفية وساق أنواعاً من التهم الباطلة فما كان من الأستاذ / التلمساني إلا أن انبرى يرد على السادات بقوله ” الشيء الطبيعي بإزاء أي ظلم يقع علي من أي جهة أن أشكو صاحبه إليك بصفتك المرجع الأعلى للشاكين – بعد الله – وها أنذا أتلقى الظلم منك فلا أملك أن أشكوك إلا إلى الله” فأصيب السادات بالرعب والذعر وناشد التلمساني أن يسحب شكواه فقال له بقوة وأدب وتأثر : ” إني لم أشكك إلى ظالم وإنما شكوتك إلى رب عادل يعلم ما أقول”.
موقفه من التيارات المختلفة:-
كانت علاقاته ممتازة مع كافة التيارات على اختلافها وكذلك الرؤساء والقادة وجماهير الناس ، فلم يكن متكلفاً في قوله أو فعله ويتحدث بلغة يفهمها الجميع بإسلوب بسيط وكان يعي اهتمامات العوام قبل الخواص وفي كل هذا ملتزماً مؤمناً بمبادئ الإخوان المسلمون المستقاة من الكتاب والسنة ، وكان الأقباط يحبونه ويحترمونه وحتى رجالات الدولة يهابون مواقفه ويعرفون فضله.
(6) زهده وتواضعه :
رغم أن الأستاذ كان من عائلة كبيرة موسرة إلا أنه عاش حياة الزهد .. فكان عازفاً عن رغائب الدنيا مقبلاً على الله يسكن في شقة متواضعة في حارة المليجي الشعبية بحي الظاهر بالقاهرة ، وكان كل من زاره في الشقة يتأثر كثيراً من تواضع أثاث الشقة لأنها كانت في غاية البساطة.
(7) اهتمامه بالدعوة خارج مصر :-
نال الاهتمام بإخوان المهجر وخارج مصر اهتمام الأستاذ التلمساني ؛ فكان كثير الزيارة لهم في جميع دول العالم ، وعمل على تنظيمهم مما كان فتحاً جديداً للدعوة في الخارج.
(8) إسهاماته في المكتبة الإسلامية:-
فمن أشهر مؤلفاته:
( شهيد المحراب ، الخروج من المأزق الإسلامي الراهن ، الحكومة الدينية ، الإسلام والحياة ، آراء في الدين والسياسة ، الملهم الموهوب حسن البنا أستاذ الجيل ، حول رسالة ” نحو النور” ، ذكريات لا مذكرات ، الإسلام ونظرته السامية للمرأة ، بعض ما علمني الإخوان المسلمون ، قال الناس ولم أقل في حكم عبدالناصر ، أيام مع السادات).
وذلك إلى جانب الكثير من المقالات والمحاضرات.
(9) وفاته :
اختاره الله –عز وجل- إلى جواره يوم الأربعاء 13 من رمضان 1406هـ ، الموافق ليوم 22 مايو 1986م ، في المستشفى عن عمر يناهز الثانية والثمانون عاماً ، وشيعت جنازته من مسجد عمر مكرم في موكب مهيب شارك فيه أكثر من ربع مليون شخص وقيل نصف مليون من جماهير الشعب المصري بكل فئاته فضلاً عن الوفود التي قدمت من خارج مصر.
هذا هو الأستاذ عمر التلمساني
المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمون
” نسأل الله أن يتقبله في عباده الصالحين, وأن يلحقنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ”
(1) تعريف :-
• هو الداعية الحاج / أحمد البس.
• ولد ببلدة القضابة مركز بسيون عام 1915م.
• عمل في حقل التدريس بعد تخرجه ، ثم مدير مدرسة ثم موجهاً بالتعليم.
• التحق بجماعة الإخوان المسلمين عام 1939م.
• عاصر كل محن الجماعة وقضى في سجون الطغاة قرابة ربع قرن صابراً محتسباً.
• زوجته أخت فاضلة وكانت له سنداً قوياً وقدمت خدمات جليلة لأبناء الدعوة.
• كان يتميز كإخوانه ممن تربوا على يد الإمام الشهيد بالعلم والخلق والتواضع وبشاشة الوجه.
• تولى رئاسة الجمعية التربوية الإسلامية للإخوان المسلمون.
• كان من نواب الإخوان المسلمون في البرلمان في انتخابات 1987م.
• توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1992م.
(2) انضمامه إلى الدعوة:-
تعرف على الدعوة عام 1939م ، عن طريق إعلان صادر عن الجماعة بإقامة درس في أحد مساجد القرية وحاضر كل من المهندس عبدالسلام فهمي ، والأستاذ محمود العجمي ، وبعدها تم النقاش حول الفرق بين جماعة الإخوان المسلمون والشبان المسلمين وأهداف الجماعة وغاياتها وتم شرح الأمر باستفاضة من قبل الزائرين ، فانشرح صدر الأخ /أحمد البس وانضم إلى الجماعة وأعلن من فوره غرفة الضيوف في بيته مقراً لشعبة الإخوان في القضابة. صدر بعد ذلك قراراً من إخوان طنطا بتكليفه مسئولية شعبة بسيون ، وكانت تضم عشرون قرية وبقى فيها من 1939م حتى 1954م.
(3) من إنجازاته في الشعبة:-
إنشاء مستوصف وفرقة للجوالة ساهمت في مكافحة مرض الكوليرا.
مسجداً للصلوات الخمس والجمعة.
داراً للسيدات ومدارس الجمعة للأطفال والناشئة ومدرسة ليلية للبنين.
لجنة مصالحات لفض المنازعات بين الناس.
لجنة الحفلات والندوات ومآدب الإفطار.
لجنة تعاونيين وزراعيين.
نادي للشباب والرياضة.
(4) جهاده :
قضى الداعية الصابر الحاج / أحمد البس فترة زادت على 25 عاماً متنقلاً بين سجون الطغاة من سجن إلى آخر ومن تعذيب إلى تعذيب ومع ذلك كان صابراً محتسباً لأنه أيقن أن ذاك هو ابتلاء الله لعباده المؤمنين في الدنيا وكان يتمثل قوله تعالى : ” ألم * أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.”
ويروى لنا بعضاً من أحواله في السجون فيقول :
ألقي بي في زنزانة إلى العشاء ثم دعيت للتحقيق وأجلسوني تحت قدما الضابط وأمرت بخلع ملابسي جميعاً وطرحت على بطني وانهال الضرب على كل أجزاء جسمي وربطوني بالعروسة الخشب ونقشوا ظهري بالكرابيج والأسياخ المحماة حتى صرت لا أشعر بالحرارة وتجمع القيح تحت الجلد ، وفي يوم ونحن تحت نير التعذيب أمرنا بصعود السلالم ونزولها مرات ومرات وأثناء ذلك أمسك أحد الإخوان بجلد ظهري فانسلخ الجلد من رقبتي إلى أسفل الظهر فانكشفت عظامي ؛ فأخذني أحد الأطباء الإخوان المسجونين معنا وأمرني بالنوم على بطني ونظف ظهري من القيح ورد الجلد إلى مكانه وأخبرني أن ذلك كان خيراً لي ولولا انسلاخ الجلد وانكشافه عن الصديد لانتشر وتسمم الجسم كله.
ويروي عن مذبحة ليمان طره في 1/1/1957م فيقول : ” بعد أحد الزيارات لنا ، تم حشد عدد كبير من الجنود والضباط وكميات كبيرة من الذخيرة وأمروا الإخوان بالخروج من الزنازين وتم ربط المجموعة الأولى وكانت حوالي 20 أخاً بسلسلة واحدة والتي ضمتني ، وأدرك الإخوان أن الأمر مدبر لتصفيتهم بإخراجهم إلى الجبل مسلسلين ، فتوقفوا عن الخروج فما كان من إدارة السجن إلا إصدار الأوامر بإطلاق النار على الإخوان داخل الزنازين واستمر ذلك لمدة ساعة وكانت الحصيلة 21 شهيداً ، 22 جريحاً ، وفي اليوم التالي خرج 21 نعشاً ليلاً تحت الحراسة المشددة للدفن ، وجاءهم من قيادة الثورة من يهنأهم على ذلك وعلمنا فيما بعد أن المذبحة تمت بأمر جمال عبدالناصر ؛انتقاماً منه لأن إخوان الأردن أفسدوا الانقلاب الذي دبره ضد الملك حسين.
انتقل إلى سجن القناطر الخيرية لأكثر من عام ، ثم سجن الواحات لخمس سنوات ، ثم سجن أسيوط وسجن القاهرة قرابة العامين ثم إلى سجن قنا ست سنوات.
(5) من أقواله:
عن زوجته :” شاء الله أن أدخل السجن بسبب انتمائي لجماعة الإخوان المسلمون بعد عشر سنوات من زواجي وخرجت بعد قضاء هذه المدة الطويلة بعيداً عنها وعن أولادنا فوجدت زوجتي أزكى ما تكون زوجة والأولاد أحسن ما يكونون خلقاً وعلماً وأدبا ، وقد أراد الله أن تكون محنتي مصحوبة بالعزة والكرامة فإيمان زوجتي جعلها تصبر فتجوع وتمرض وتسافر وتحزن وتتألم وتسهر وتمشي وتكدح وحدها وسط هذه المحنة الطويلة العريضة العميقة بعيداً عن أسماع الناس وأبصارهم”.
عن أستاذه البنا يقول :” كان مسلماً يمشي على الأرض ، رأى منه الإخوان كيف يفسر الإسلام ويطبقه على نفسه في الأكل والشرب والغضب والرضا حتى أن الإخوان استفادوا من سلوكه العملي أكثر من سلوكه الخطابي فهو شخصية لم أر مثلها وأنه المجدد للأمة في هذا القرن”.
عن أستاذه الهضيبي يقول : ” رجل عظيم ومسلم منظم وقائد حكيم فرضت عليه القيادة وهو كبير السن مريض الجسم فصمد صمود الأبطال وضرب المثل المشرف الجميل وسار بالدعوة يدفعها إلى الأمام وسط كل العواصف والأنواء من اعتقالات بالآلاف وإبادة بالمئات تحت نير التعذيب وأحكام الإعدام ، فواجه ذلك بصبر واحتساب إلى أن لقي الله عز وجل”.
للشباب وللأجيال التالية: ” العبرة دائماً بالنتائج لا بالمقدمات فكثيراً ما تبدأ الأمور بارتياح وسرور وتنتهي بحزن وألم والعكس بالعكس ومن أمثلة ذلك غزوة بدر التي بدأت والمؤمنين أذلة وفريق منهم كارهون لها وذهبوا إلى المعركة كأنما يساقون إلى الموت ولا يودون ذات الشوكة ويجأرون بالاستغاثة ويغشاهم النعاس وينزل عليهم المطر ويزحف عليهم العدو ولكن النتيجة بعد ذلك النصر المبين فيقتلون من أعدائهم سبعين ويأسرون مثلهم “ليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنا”.
(6) قالوا عنه:-
يقول عنه الأستاذ جابر رزق في مقدمة كتاب (الإخوان المسلمون في ريف مصر) للأستاذ أحمد البس : ” إن تاريخ جماعة الإخوان المسلمون هو في حقيقته تاريخ هذا الجيل الذي رافق الإمام الشهيد حسن البنا في بناء هذا الصرح الشامخ”.
(7) وفاته :
من توفيق الله له أنه حفظ للقرآن الكريم كله وهو ابن عشرة سنين ثم نسيه ، وحين دخل السجن ، استعاد حفظه كاملاً في أربعين يوما ، وواصل قراءته كل عام سبعين مره إلى أن لقي ربه في عام 1992م ، فعسى الله أن يجعل القرآن الكريم ذخراً له في السماء وشفيعاً له يوم القيامة .. اللهم آمين ..
” نسأل الله أن يتقبله في عباده الصالحين
وأن يلحقنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ”
مواقف من سيرة الشهيد : يوسف طلعت
(1) تعريف :-
هو الأخ والمجاهد الصادق والجندي الملتزم والبطل الجسور يوسف عز الدين محمد طلعت .
من مواليد مدينة الإسماعيلية بمصر سنة 1914 م .
حصل على الكفاءة الأولى ثم عمل نجاراً ثم عمل في تجارة المحاصيل الزراعية .
تفرغ للدعوة كان له نشاط كبير في الأعمال الجهادية .
انضم إلى جماعة الإخوان سنة 1936 م على يد الإمام الشهيد .
جاهد في فلسطين وأقض مضاجع اليهود والإنجليز .
تميز بالجرأة والحنكة والدهاء وهدوء الأعصاب والصبر وطول النفس .
رصد الإنجليز جائزة لمن يعثر عليه حياً أو ميتاً .
(2) انضمامه للدعوة : ـ
تعرف الشهيد على الإمام الشهيد حسن البنا عام 1936 م ومنذ ذلك الوقت ارتبطت حياته برسالة الإسلام الحق وحمل لوائها حتى أنه جاب المحافظات كلها وأنشأ الكثير من الشعب ووثق الروابط بين الناس .
(3) مبدع موهوب : ـ
كان موهوباً من الله عز وجل حسن التصرف حيال الأزمات و يسرع في علاج
المشكلات حتى أنه استطاع هو وإخوانه تصنيع السلاح والذخيرة والاستفادة من الأسلحة
التي كانوا يغتنمونها من العدو .
وقد قاد الشهيد معركة ” دير البلح ” التي استشهد فيها ” 12 ” من الإخوان وأذهل الجيش
الإنجليزي الذي طلب عقد هدنة .
تتبعه رجال المخابرات البريطانية الذين كانوا يحكمون البلاد ورصدوا تحركاته ولكنه استطاع أن يخدعهم و يفلت من أيديهم ، فقد تصادف أنه كان يحمل كمية من البنادق للمجاهدين في فلسطين وكانت في جوالين وسط ” التبن ” و حملهما على بعير وتنكر في ثياب ريفية وعندما اعترضه الإنجليز و سألوه : من أين ؟ فقال : من المنطقة .. و إلى أين ذاهب ؟ فقال : إلى حظيرة ماشية … و ماذا تحمل ؟ قال : تبن للماشية أخذ بعض التبن من الجوال ووضعه للبعير وهو يربت على رقبته بينما هم يحيطون به يسألونه وهو رابط الجأش غير مكترث فانصرفوا عنه.
(4) جهاده : ـ
في الفترة التي انضم فيها الشهيد إلى الإخوان كان الجو العام يدعو إلى الجهاد في فلسطين فكان هو من أول المبادرين .
قاد معركة دير البلح و بعد عقد الهدنة أرادوا تسليم الجثث وحضرها قائد إنجليزي ولما تفقد الجثث وقف مذهولاً لأنه لاحظ أن جميع الإخوان مصابون في صدورهم ودار نقاش علم منه القائد الإنجليزي أن من صفات المؤمنين أن يُقبلوا في المعارك ولا يولون الأدبار فقال القائد الإنجليزي : ” لو أن عندي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم الدنيا “.
قاد قافلة الإمدادات لجيش المجاهدين في ” الفالوجا ” و قد اخترق خطوط اليهود بكل جرأة وكان جمال عبد الناصر ومجموعته من المجاهدين في الفالوجا .
كان جُندياً بالفطرة و محارب بالسليقة وذا عقلية مبتكرة خلاقة لا تعجز عن إيجاد حل لأي قضية ويذكر في هذا المقام أنه استطاع أن يُشكل من أسطوانة فولاذية مثبتة على حامل أرضي مدفعاً يقذف به قنابل (مورتر) غنمها من العدو.
(5) روحه المرحة : ـ
وكان من أبرز صفات الشهيد أنه كان مرحاً خفيف الظل ذو دعابة حتى في أحرج المواقف:-
ويذكر له أنه كان على رأس دورية قتال في فلسطين مهمتها القيام بأعمال قنص ضد حرس اليهود وحينما اقتربوا من برج حراسة وجدوا جندياً يهودياً وفتاة من المجندات في موقف عاطفي وهنا انبرى الشهيد يهمس لإخوانه أتدرون لماذا يفعلون ذلك فسكت الجميع فقال: إنهم يعرفون أننا الإخوان المسلمين نغض البصر عن هذه المنكرات فأرادوا بذلك أن يمنعونا من التجسس عليهم ، ثم قال نحن الآن أكثر من أربعة شهود ونستطيع أن نقيم عليهم الحد وأمر قناصته أن يُطلقوا عليهم النيران ، وكان يُسمع ضحكه في تبادل النيران .
حينما كان ماثلاً أمام المحكمة الهزلية التي عقدتها الحكومة العسكرية التي حكمت عليه بالإعدام ، قال له جمال سالم رئيس المحكمة هل تعرف أن تقرأ الفاتحة بالمقلوب قال الشهيد نعم و تلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و أشار بيده إلى جمال سالم عند قوله ” الشيطان الرجيم ” وقرأ الفاتحة بوجه صحيح .
و حين سأله : إنت بتشتغل إيه ؟ أجاب فقال له : نجار . فقال له: كيف تكون رئيس جهاز فيه أساتذة الجامعة وأنت نجار ؟ فأجاب : إن نبي الله نوح كان نجاراً ، فسكت الرئيس .
وحين سأله : لماذا لا تستطيع الوقوف ؟ قال له : اسأل نفسك ، وكان قد تعرض لتعذيب شديد القسوة حيث كسروا عموده الفقري وذراعه وجمجمته ولم يكن هناك مكان في جسمه إلا وبه كسر أو جرح .
(6) من ميدان الجهاد إلى السجن : ـ
اُعتقل الشهيد يوسف طلعت وإخوانه من ميدان الجهاد في فلسطين وأُقيم لهم مُعسكر اعتقال بإشراف الجيش المصري ثم نُقلوا إلى معتقل الطور وذلك سنة 1948 م .
وفي عام 1954 م ومع حادث المنشية الشهير الذي دبره عبد الناصر بتخطيط المخابرات الأمريكية واقتراحها للتخلص من الإخوان كما ذكر حسن التهامي و هو من أعوان عبدالناصر، عندها قال يوسف طلعت ” لقد عملها عبد الناصر ” حيث كان الشهيد حينها مسؤول النظام الخاص .
وتم اعتقال آلاف الإخوان زج بهم في السجون وعلى رأسهم يوسف طلعت وقد نالهم من التعذيب ما لا يصبر عليه إلا أصحاب العزائم من الرجال المؤمنين حيث تتقطع السياط على أجسادهم وتكسر عظامهم وتشج رؤسهم وتحرق جلودهم وتنفخ بطونهم ومنهم من يسقط من الإعياء تحت نيران التعذيب ومنهم من يلقى الله شهيداً تحت سياط التعذيب وكان من هؤلاء يوسف طلعت .
(7) يوم حزين : ـ
في يوم حزين من أيام ديسمبر 1954م دخلت مدينة الإسماعيلية مصفحتان تحملان جثماني الشهيدين محمد فرغلي ويوسف طلعت بعد تنفيذ حكم الإعدام فيهما شنقاً وقد مُنع الناس من السير في جنازتيهما ووقفت حراسة على قبريهما لمدة ستة أشهر .
وهكذا قطف اليهود والإنجليز والأمريكان ثمرة مساعداتهم التي قدموها لصنعتهم عبدالناصر بحصد رؤوس الدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله في فلسطين والقنال وقد أخزى الله عبد الناصر في الدنيا و سيلقى ما يستحق في الآخرة .
أما ركب الدعوة الإسلامية فهو في صعود والدعوة باقية والأفراد زائلون وكلما مات سيد قام سيد .
” نسأل الله أن يتقبل الشهيد البطل الجسور
يوسف طلعت
و أن يدخله فسيح جناته
مع النبيين و الصديقين و الشهداء
و حسُن أولئك رفيقاً ” .
مواقف من سيرة رائد الصحافة الإسلامية : صالح عشماوي
(1) تعريف :-
هو الأستاذ الكبير صالح مصطفى عشماوي .
من مواليد سنة 1911م.
التحق بجماعة الإخوان المسلمين سنة 1931م.
تخرج من كلية التجارة سنة 1932م.
اختير وكيلاً للإخوان المسلمين سنة 1936م.
رأس تحرير مجلة النذير سنة 1937م ثم مجلة الإخوان المسلمين سنة 1943م ثم
الجريدة اليومية سنة 1946م ، ثم مجلة المباحث القضائية ثم مجلة الدعوة سنة 1951 م.
عُين وكيلاً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين خلفاً لأحمد السكري .
عُين رئيساً للنظام الخاص سنة 1941 م .
كان في مقدمة المعتقلين بعد حل الجماعة في 8/12/1948 م .
إنتقل إلى رحمة الله في يوم الأحد 11/12/1983 م .
(2) حياته وجهاده : ـ
كان مع إخوانه يُحيطون بالطلبة الوافدين إلى مصر لتقديم العون والمساعدة .
تولى تحرير صحافة الإخوان المسلمين منذ صدورها وكان صاحب قلم متمرس بالكتاب.
كان ضعيف البنية يعيش بكلية واحدة ولكنه قوي الإيمان ثابت الجنان .
في 18 أبريل عام 1951م قاد مظاهرة كبرى إلى البرلمان المصري مطالباً بإسقاط قانون نظام
الجمعيات وكان يُراد من ورائه تكبيل حركة الإخوان المسلمين وتم بالفعل إسقاط القانون .
سنة 1954م حين أعلن الطاغية عبدالناصر حربه على الإخوان باعتقالهم ومصادرة مؤسساتهم
وتعطيل نشاطهم حافظ الأستاذ صالح عشماوي على رخصة مجلة ” الدعوة ” و كان يُصدر
بعض الأعداد للحفاظ على رخصتها .
حاولت الدولة احتواءه ولكنه صمد أمام كل المغريات والمناصب بكل شمم وإباء إلى أن من الله
على الإخوان بالخروج من السجون سنة 1974م فذهب الأستاذ صالح عشماوي إلى الأستاذ
عمر التلمساني المرشد الثالث ووضع نفسه ومجلته في تصرف الإخوان حيث أُعيد إصدارها سنة
1976 م و ظلت لسان حال الإخوان المسلمين إلى أن عُطلت سنة 1981 بفعل السادات .
(3) قالوا عنه : ـ
قال عنه الأستاذ صلاح عبد المقصود ” مضى الأستاذ صالح عشماوي بعد حياة كلها معاناة وتعب وجهاد ، اضطهد وعُذب وحُورب .. فما وهن لما أصابه في سبيل الله وما ضعف وما استكان وظل ثابتاً على العهد إلى أن لقي ربه .
كان عضواً في مكتب الإرشاد ووكيلاً عاماً لجماعة الإخوان ثم تولى قيادة الجماعة لمدة عامين ونصف بعد استشهاد الإمام البنا في فبراير 1949 م .
بعد صدور الأمر العسكري بحل الجماعة سنة 1948م ومصادرة أملاكها واغتيال الشهيد حسن البنا في 12/2/1949 م رأى حكام العهد أن واقع الجماعة لا يمكن إنكاره فأرادوا إعادة الجماعة بغير أسمها ، فكتب الأستاذ صالح عشماوي مقالة قوية بعنوان ” ثبات” مخاطباً الحكام ومن مال إلى رأيهم ” إن الذين ملوا الكفاح وضعفوا عن أعباء الجهاد ويُريدون أن يستريحوا باسم غير اسمهم وبوجوه غير وجوههم و لأهداف غير أهدافهم ، أمرهم إلى الله و نسأل لهم الهداية و لهم أن يعتكفوا في صمت و هدوء و لكن ليس لهم أن يُخاولوا خداع أحد أو يشقوا طريق المؤمنين الثابتة ، أما المؤمنون الصادقون فلن يعملوا باسم غير اسمهم و لن يظهروا للناس بوجوه غير وجوههم و لن يُجاهدوا في سبيل أهداف غير الأهداف التي قاتلوا في سبيلها و سيفشل معهم كل إغراء و وعد ، كما فشل من قبل كل بطش و وعيد ” فاصبروا إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون ”
ظل رحمه الله لمدة نصف قرن يدافع بلسانه و قلمه عن دعوته ـ دعوة الإسلام ـ يقول الحق و لم يخش في الله لومة لائم حتى لقي ربه .
يذكر الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم ” مذكرات سائح في الشرق العربي “عن الأستاذ الكبير صالح عشماوي فيقول ” كتبت من مكة المكرمة إليه أخبره بسفري إلى مصر و رغبتي في الإجتماع به فرحب بذلك و اجتمعت به في إدارة مجلة الدعوة و أطلعته على كلمة كنت أُريد أن أُوجهها إلى الإخوان فاستحسنها و اتفقنا على أن أُلقيها في حفلة خاصة للإخوان و قدمني إلى الإخوان و تحدثت إليهم و رحبوا بي أي ترحيب ثم أستأذنني أن ينشرها في مجلة الدعوة فقبلت ذلك بكل سرور ”
كان شيخ الصحافة الإسلامية بحق و رائد جيل الصحفيين الجدد من الصحوة الإسلامية في هذا العصر .
(4) كتب عن نفسه فقال : ـ
في سنة 1938 م كتب الأستاذ صالح عشماوي في مجلة النذير و كان رئيس تحريرها كلمة بعنوان ” كيف غيرتني دعوة الإخوان ”
فقال : ” .. .. و أخلوا إلى نفسي وأسألها عن غايتها فأراها كعهدي بها منذ عرفت الإخوان ، حافظة للعهد راسخة الإيمان اتخذت من الله غايتها ، و أسألها عن آمالها فأجدها و أجد آمالها بعد أن حددت غايتها فلم يبقى لها إلا أمل واحد و إنه كل أملي في الحياة ـ و لعلك تدهش سيدي القارئ ـ إذا علمت أن هذا الأمل هو الموت في سبيل الله .. .. نعم هو الفناء و لكن في الحق .. لعمري إنه عين البقاء .. و لست أدري هل قُدر أن أموت على فراشي كما يموت الجبناء ؟ أم سيُتم الله نعمته علي فيلحقني بالشهداء ذلك علمه عند ربي و ما كنا للغيب حافظين .. ”
رحم الله أستاذنا المجاهد و بارك في جهوده
و حشرنا و إياه مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين
و حسُن أولئك رفياً ”