حقائق في ذكرى النكبة

د. صلاح الخالدي

نعيش في هذه الأيام الذكرى الثالثة والستين للنكبة الكبرى، التي وقعت على أرضنا المقدسة؛ فقبل ثلاث وستين تمكن المحتلون المغتصبون اليهود من اغتصاب جزء كبير من أرض فلسطين، وأعلنوا إنشاء كيانهم الباطل على ذلك الجزء المغتصب، وسارعت دول العالم الاستعمارية إلى الاعتراف بذلك الكيان. واعتاد أهلنا الفلسطينيون على إحياء ذكرى النكبة في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، وإقامة “فعاليات” مختلفة، تُنشط الذاكرة الفلسطينية في الداخل والشتات؛ حتى لا ينسى الأبناء والأحفاد هذه القضية الحية.

وأحب في ذكرى النكبة لهذا العام أن أُذكِّر بمجموعة من الحقائق اليقينية القاطعة، وأدعو القراء الكرام إلى تذكرها والتذكير بها، وإبقائها حية حاضرة؛ لتكون عاملاً أساسيًّا في الإسراع في حل قضيتنا الأولى، وإزالة نكبتنا الكبرى..

1- فلسطين قلب العالم العربي والإسلامي، وأشرف وأفضل الأماكن في العالم، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، من وجهة النظر الإسلامية الصائبة، وهي الأرض المباركة، التي باركها الله وبارك من فيها وما فيها، ومن حولها وما حولها حتى قيام الساعة.

2- القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى عند العرب والمسلمين، لا يجوز أن تقدم عليها أية قضية أخرى، إقليمية أو عنصرية، محلية أو داخلية أو خارجية؛ لأنه لن يستقر بلد عربي ولن يأمن ولن يتقدم، طالما أن فلسطين محتلة، ونكبتها متواصلة. وعلى الحركة الإسلامية على وجه الخصوص أن تجعل القضية الفلسطينية قضيتها المركزية الأولى، وعلى رأس اهتماماتها، وفي مقدمة أولوياتها، وتَقَدُّم ونجاح هذه الحركة مرهون بمستوى نظرتها إلى القضية الفلسطينية واهتمامها بها.

3- يجب التعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق إسلامي إيماني قرآني، ويجب إدخال القرآن والإسلام المعركة مع اليهود؛ فالقضية الفلسطينية قضية إسلامية في المقام الأول، والانطلاق إليها من المقررات الإسلامية، المتمثلة في آيات القرآن وأحاديث رسول الله r، وحقائق الإسلام الهادية. وهي قضية كل مسلم في العالم. واستصحاب مقررات الكتاب والسنة في التعامل مع هذه القضية كفيلٌ بالنجاح فيها.

4- اليهود أشد عداوة لنا، نحن أهل فلسطين، ولكل عربي مخلص، ومسلم صادق، وهذه حقيقة قرآنية قاطعة، جزم بها القرآن في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82]. ولم تتوقف عداوتهم الشديدة للمسلمين عبر قرون التاريخ الإسلامي، وقد ازدادت عداوتهم حدة وشدة في هذا القرن، الذي توجهوا فيه لإنشاء كيانهم الباطل على أرض فلسطين.. وهم الذين يقودون ويوجهون العالم الآن في حربنا وغزونا ومعاداتنا.

5- صراعنا مع اليهود صراع طويل، ممتد عبر الزمان الماضي، فهو لم يبدأ منذ القرن العشرين، عند وعد “بلفور”، أو قبله بقليل، أو بعده، أو عند النكبة عام 1948م، أو بعدها. وإنما بدأ منذ بعثة رسولنا محمد r، قبل أكثر من خمسة عشر قرنًا، وهو صراع بين الحق الإسلامي والباطل اليهودي، وصراع بين رسالة الهدى ورسالة الضلال، وصراع بين العباد الربانيين المسلمين، وبين الشياطين المفسدين المغتصبين.

وميدان هذا الصراع هو أرض فلسطين المقدسة المباركة وما حولها؛ ففلسطين ليست سبب عداوتنا لهم وعداوتهم لنا، إنما هي الميدان الساخن لهذه العداوة.

6- القرآن خير من تكلم عن اليهود، وبيَّن جرائمهم وإفسادهم، وفضح انحرافهم وسوء أخلاقهم، وعرفنا على شخصيتهم المعقدة، ومخططاتهم التوسُّعيَّة..وعلى المسلمين المواجهين للهيمنة اليهودية العودة إلى القرآن الكريم، والوقوف طويلاً أمام آياته التي تحدثت عن اليهود وفضحتهم؛ ليعرفوا كيف يتعاملون مع اليهود، وكيف يواجهونهم وينتصرون عليهم.

7- ينطلق اليهود من منطلقات دينية محرفة في نظرتهم إلى فلسطين، باعتبارها “أرض الميعاد”، وهم ينشرون على العالم أكاذيب “دينية”، يزعمون فيها أن الله أعطاها لآبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام. وهم كاذبون في هذه المزاعم؛ فلم يعط الله أرض فلسطين لأبناء إبراهيم u.. كما أنهم يكذبون في حديثهم عن هيكل سليمان u، وفي زعمهم أن سليمان u بَنَى “هيكلاً” ليقيم فيه الرب (!!) عندما ينزل على الأرض ليقاتل أعداء اليهود!!

فسليمان u “إسرائيلي” نسبًا، لكنه “مسلم” رسالة ومنهجًا ودينًا، وكان نبيًّا ملكًا عند بني إسرائيل، وقد حكمهم بالإسلام وليس باليهودية، وكان حنيفًا مسلمًا ولم يكن يهوديًّا، وأنشأ مملكة إسلامية وليس مملكة يهودية، وجدد بناء المسجد الأقصى لعبادة الله، ولم يبنِ “هيكل سليمان” المزعوم.

8- لا حَقَّ لليهود على أرض فلسطين، لا دينيًّا ولا تاريخيًّا، ولا أخلاقيًّا، وإقامتهم السابقة على الأرض المقدسة فترة قصيرة من الزمن في عمر الأمم لم تعطهم حق التملك الأبدي للأرض المقدسة وما حولها، منذ زمن سليمان u وحتى قيام الساعة.

ولم يعطهم الله الأرض المقدسة في الماضي؛ لأنهم إسرائيليون وأبناء إبراهيم u، وإنما أعطاهم إياها لأنهم كانوا مؤمنين، وسط أقوام حولهم كافرين.. ولما كفروا بعد ذلك وطغوا وبغوا، أوقع الله بهم لعنته وعقابه، وشتتهم في الأرض، وحرمهم من الأرض المقدسة؛ لأن هذه الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده المؤمنين، وأكد هذه الحقيقة في “الزبور” الذي أنزله الله على نبيهم داود u. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].

9- اليهود محتلون مغتصبون، ومفسدون مربون، وهم الذين بدءوا بالعدوان علينا بمهاجمتنا وغزونا واحتلال بلادنا، ونحن مأمورون بجهادهم ومواجهتهم، والصلة بيننا وبينهم هي الجهاد والمواجهة، وليس السلام والمسالمة؛ لإزالة كيانهم الباطل، وإنهاء عدوانهم وإفسادهم، منطلقين في ذلك من آيات القرآن الكريم. منها قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 190، 191].

والتقادم بمرور السنوات -التي زادت على الستين سنة- لا يلغي حقنا في أرضنا، ولا يمنح اليهود حقًّا فيها، ولا يضير كونهم محتلين مغتصبين، يجب إزالة احتلالهم واغتصابهم.

10- فلسطين كلها أرض إسلامية، موقوفة على الإسلام والمسلمين؛ ولذلك لا يجوز التفاوض عليها، ويحرم التنازل عن جزء منها لليهود، مهما صغرت مساحته، والواجب تحرير كامل التراب الفلسطيني من العدوان اليهودي، والواجب عودة أهل فلسطين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم المحتلة عام 67، وعام 48، وإجلاء اليهود عن أي شبر منها.

11- الواجب إبقاء قضية فلسطين حية باقية، تسكن في كيان كل واحد منا، وتعيش في وجدانه وتفكيره.. ولا يجوز نسيانها، أو تجاهل الحقائق المتعلقة بها -ومنها هذه الحقيقة المعروضة هنا- والواجب استمرار الدراسات والأعمال والمظاهر والفعاليات، في كل مكان في العالم العربي والإسلامي، التي تُبقي حياة وحيوية القضية، في كيان الأجيال الجديدة والقادمة؛ لتكون أكثر تصميمًا على تحرير كامل التراب الفلسطيني من أجيال الآباء والأجداد.

إننا نراهن على استمرار حياة وحيوية قضيتنا الفلسطينية عند الأجيال القادمة، حتى تحرر فلسطين كلها، وهذا أبلغ رد على كلام بن جوريون عندما قال: دعوا الفلسطينين، فإن هذا الجيل منهم سيموت، وينسى أبناؤهم فلسطين!!

كتبت هذه المقالة في عام 2011