حماد بن سلمة بن دينار

الإمام القدوة المجتهد في العبادة ، شيخ الإسلام أبو سلمة البصري ، المجاهد العامل ، الراضي القانع الفقيه النابغ ، الراوية المحدث ، كان يأكل من عمل يده ، ويكسب من كده وجهده ، يسارع في عمل الخير ، ويديم النفع والبر ، خائف من الله عز وجل ، راجي عفوه ومغفرته ، عابد واله ، متبتل صابر ، لا يخالط الظالمين ، ولا يكتم النصيحة والمعروف.

كانت حياته رحمه الله معمورة بالتعبد والأوراد وأفعال الخير والبر والإحسان ، حدث عفان بن مسلم ، قال: قد أرى من يعبد الله تعالى مثل حماد بن سلمة ، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير منه وقراءة القرآن ، والعمل لله عز وجل من حماد بن سلمة ، وحدث موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم أني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قط صدقتكم ، كان مشغولاً بنفسه ، إما أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يقرأ القرآن ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي ، وكان قد قسم النهار على هذه الأعمال. وكان مع ذلك يدعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منه .

وهو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ” اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، وعمل لا يرفع ، وقلب لا يخشع ، ودعاء لا يسمع ” ، هكذا كان حماد لا يضيع وقتاً ولا ينفق جهداً إلا في سبيل الخير وعمل المعروف وتحصيل الثواب ، رغم أنه العالم العابد الذي خلص لله تبارك وتعالى وتبحر في العلوم وتفقه في الفنون ، حتى فذ إخوانه فكان مع إمامته في الحديث إماماً في الفقه ، وإماماً في العربية فصيحاً ، رأساً في العلوم ، صاحب تصانيف يحتسبها عند الله تبارك وتعالى ، قال إسحاق بن الطباع: سمعت حماد بن سلمة يقول: من طلب الحديث لغير الله تعالى ، مكر به ، ولهذا كان حماد لحماً ودماً وروحاً لله تبارك وتعالى متمثلاً بقول الحق سبحانه وتعالى: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت ).

قال شهاب بن معمر البلخي: كان حماد بن سلمة من الأبدال ، والأبدال قوم من عباد الله الصالحين يهتدون بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ويتصفون بحسن الخلق والصدق ، والورع وحسن النية وسلامة الصدر ، يستجيب الله سبحانه وتعالى دعاءهم ولا يخيب رجاءهم ..

ولهذا كان هؤلاء مقاييس في الخلق ومثل يقتدى بها في الناس ونجوم يستضاء بها في الظلمات وعلامات على طريق الهداية يعرف بها شرع الله تبارك وتعالى وهديه ، ويستدل بهم على الصراط المستقيم ، قال محمد بن مطهر: سألت أحمد بن حنبل عن حماد ، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة .

وروى أحمد بن زهير عن يحي قال: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام ، وما كان هذا إلا لصدق حماد واشتهار صلاحه بين الناس ، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة ، فاتهمه على الإسلام ، فإنه كان شديداً على المبتدعة والمنحرفين ، نعم لا يداهن أحداً ولا يقعد عن إنكار المنكر ، أو بيان الحق ، وهكذا رجال الصدق وجند الإيمان وحملة العقائد ، بصائر متقدة وقلوب عارفة واحتساب وتوكل على الله سبحانه وتعالى.